الخطبة الأولى:98220 – 4 رمضان 1440
توصية بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.
الموضوع:الاخلاق الاسلامية(الأخلاق الإلهيّة)(مراحل التوبة وشرائطها) (3)
كنّا قد بدأنا سلسلةً من الخطب حول التوبة ومعانيها وآثارها وبركاتها، نستكمل اليوم ما بقي من الموضوع حتى نؤدّي حقّه لما فيه للباري عزّ وجلّ رضىً ولنا ولكم صلاحٌ، إنّه وليُّ التوفيق.
إنّ التوبة- كما ذكرنا من قبلُ- ثورةٌ على النفس الأمّارة بالسوء؛ ترتقي بالعبد من مَدارِكِ الحيوانيّة والبُعد عن الله، ليبلغَ مَدارجَ الإنسانيّة نحو الكمال والتقرّب من الله.
عبادَ الله
كثيراً ما يَضِلُّ العبادُ طريقَ التوبة جهلاً فيقعون في فِخاخِ اليأس أو العَنَت، مَثَلُهُم في ذلك كَمَثَلِ المسافر إلى بلدةٍ مزوَّداً بمعلوماتٍ منقوصةٍ أو خاطئةٍ عن المسافة التي تفصله عن المقصد؛ فلا يزيدُه حثُّ الخُطى إلا تعباً ويأساً، ما يُثنيه عن الهدف.
وما تهاوُنُ البعضِ في طلب التوبة إلا لعدم إحاطتهم بمراحلها علماً، فيتفاوتون درجاتٍ ومراتبَ في سلوك مسار التكامل، والرجوع عن المعاصي والرذائل، تَبَعاً لإمكاناتهم وسعيهم؛ يقول تعالى: "هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".
وقد وقع كثيرٌ من أهل الأديان في شَرَك التعجُّلِ إشباعاً للحاجة الفطريّة بنيْل الكمال، فاخترعوا وسائلَ وابتدعوا سبلاً ما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ؛ حتى ظهر في المسيحيّة مصطلح (صِكِّ الغفران) وثيقةً كانت تُمنَحُ من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مقابلَ مبلغٍ ماديٍّ يدفعه الشخص للكنيسة يختلف قيمته باختلاف ذنوبه، بغرض الإعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب على الخطايا والتي تم العفو عنها. وكان يتم ضمان صكوك الغفران من الكنيسة بعد أن يعترف الشخص الآثم و بعد أن يتلقى الإبراء.
لقد رفض القرآن الكريم تلك البدعةَ، مبيِّناً أنّ طلبَ التوبة والمغفرة وكسبَ السعادة في الدنيا والآخرة أمرٌ اختياريٌّ يتوقّف على إرادة الإنسان وسعيِه للمبادرة بتلبية دعوة الله عبادَه للتوبة رحمةً بهم ولطفاً؛ يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ".
فلا سبيلَ أمامَ العبدِ الفقير البائس المسكين المستكين الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا حياةً ولا نشوراً إلا اللجوءُ إلى الله مالكِ كلِّ شيءٍ ليسدَّ عجزَه ونقصَه.
ولا ريب أنّ الحاجة تشتدّ بالعبد للعودة إلى الله عند تيهه في قِفار الذنوب وصحاري المعاصي كي يهديَه إلى جادّة الهداية والصواب.
وما أروعَ عباراتِ الإمام السجاد (ع) في الدعاء المعروف بأبي حمزة الثماليّ، والذي كان (ع) يواظب عليه في أسحار شهر رمضان؛ حيث يعبِّر عن حالة افتقار العبد لله تعالى عند تورّطه بالمعاصي، ولنستمع إلى نماذج منها:
"إِلهِي، لاتُؤدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ، وَلا تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ، مِنْ أَيْنَ لِيَ الخَيْرُ يارَبِّ وَلا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ؟ وَمِنْ أَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَلا تُسْتَطاعُ إِلاّ بِكَ؟... ياغَفَّارُ بِنُورِكَ اهْتَدَيْنا، وَبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْنا، وَبِنِعْمَتِكَ أَصْبَحْنا وَأَمْسَيْنا، ذُنُوبُنا بَيْنَ يَدَيْكَ، نَسْتَغْفِرُكَ اللّهُمَّ مِنْها وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، تَتَحَبَّبُ إِلَيْنا بِالنِّعَمِ وَنُعارِضُكَ بِالذُّنُوبِ، خَيْرُكَ إِلَيْنا نازِلٌ وَشَرُّنا إِلَيْكَ صاعِدٌ، وَلَمْ يَزَلْ وَلايزالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ يَأْتِيكَ عَنّا بِعَمَلٍ قَبِيحٍ، فَلا يَمْنَعُكَ ذلِكَ مِنْ أَنْ تَحُوطَنا بِنِعَمِكَ وَتَتَفَضَّلَ عَلَيْنا بِآلائِكَ، فَسُبْحانَكَ ماأَحْلَمَكَ وَأَعْظَمَكَ وَأَكْرَمَكَ مُبْدِئاً وَمُعِيداً، تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَكَرُمَ صَنائِعُكَ وَفِعالُكَ..."
عبادَ الله
إن كان لكلّ ثورةٍ بياناً توضِّح مَعالِمَها، فإنَّ دعاء أبي حمزة هو بيان ثورة العبد على نفسه الأمّارة بالسوء. فاللهَ! اللهَ! في قراءة هذا الدعاء أسحارَ الشهر الكريم بوعيٍ وتأمُّلٍ حتى نتلَمَّس طريقَ العودة إلى الله بالتخلُّص من أصل الشقاء وهو بالشرك أو قصِّ فروعه المتمثِّلة بالفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وإنّ أنجعَ طرق التوبة هو النصوحُ منها؛ حين يقلع التائب بإرادته أشواك المعاصي التي اجترحها؛ استجابةً لدعوة الله تعالى إذ يقول:
"يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ يَوْمَ لَا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُو نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَ اغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ".
ولكن ما هو التوبة النصوح؟
عن أبي بصير قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾ قال: هو الذنب (أي التوبة من الذنوب) الذي لا يعود فيه أبداً، قلت: وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد،" إن الله يحبُّ من عباده المفتتَن التوّاب".
هنا، ندرك عظمة نعمة ولاية أهل البيت (ع) علينا؛ إذ هم كالأطبّاء الحاذقين الذين يشخّصون المرض بدقّة ليقدّموا الوصفاتِ العلاجيّةَ النافعةَ بما يناسب حالةَ الإنسانِ وشروطه، مع التأكيد على الدور المحوريّ للإنسان في اتّخاذ الخطوة الأولى؛ فقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه خطب يوماً بالمسلمين، فقال: "أيها الناس، توبوا إلى الله توبةً نصوحاً قبل أن تموتوا، بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا...".
ولم يكتف أئمتنا (ع) بالتشخيص توصيفاً، بل قدّموا نموذجاً عمليّاً يمكن القياس عليه لمعرفة مدى التقدُّم المُنجَزِ في طريق التوبة؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: "التوبة النصوح أن يكون باطن الرجل كظاهره وأفضل". لينتقلوا بعد ذلك لبيان مراحل التوبة تفصيلاً؛ فعن الصَّادِقُ (ع): " التَّوْبَةُ حَبْلُ اللَّهِ وَ مَدَدُ عِنَایَتِهِ. وَلا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ مُدَاوَمَةِ التَّوْبَةِ عَلَی كُلِّ حَالٍ. وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنَ الْعِبَادِ لَهُمْ تَوْبَةٌ؛ فَتَوْبَةُ الأنْبِیَاءِ مِنِ اضْطِرَابِ السِّرّ،ِ وَتَوْبَةُ الأوْلِیَاءِ مِنْ تَلْوِینِ الْخَطَرَاتِ، وَتَوْبَةُ الأصْفِیَاءِ مِنَ التَّنَفُّسِ، وَتَوْبَةُ الْخَاصِّ مِنَ الاشْتِغَالِ بِغَیْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَتَوْبَةُ الْعَامِّ مِنَ الذُّنُوبِ".
فاذا لابد لنا من التوسل الى أئمتنا المعصومين(ع) لأنهم أقصر السبل لطلب التوفيق الإلهيّ بالتوبة النصوح وقبوله؛
أسال الله تعالى أن يوفقنا و اياكم لننهل من المعارف الدينية الحقيقية الاصيلة و وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. واستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانية: 98220 – 4 رمضان 1440
اللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله وأمیر المومنین، والعزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلاء و عقیلة الهاشمیین، بنت ولی الله، و أخت ولي الله، وعمة ولي الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
اللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، وهب لنا دعاءها الزکي، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
أيها الاخوة و الأخوات!
ونحن نعيش على مائدة الرحمة الإلهيّة في شهر رمضانَ المباركِ، التي دُعينا فيه إلى ضيافة الله، وجُعِلنا فيه من أهل كرامة الله؛ فأجدِرْ بنا أن نكونَ على قدر الحفاوةِ الربّانيّة! وقد وصف تفاصيلَها حبيبُنا الرسول الكريمُ قائلاً: "... أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب...".
حقّاً إنّه موسمٌ للخير العميم، قد هيّأَ الله أسبابَه ورفع موانعَه؛ إذ شرَّعَ فيه أبواب رحمته كي تزكوَ نفوسُ عباده، جاعلاً لكلِّ عملٍ يصدُرُ عنهم أعظم الأجر والثواب. كما أزالَ كلَّ الحواجزِ التي تعيقُ حركةَ المؤمن نحو الكمال والقرب الإلهيٍّ.
قال رسول الله (ص): "إذا دخل شهر رمضان، فُتِّحت أبواب الرحمة وغُلِّقت أبواب جهنم وسُلسِلَت الشیاطین".
إذ شاء الله برحمته أن يزوّد عبادَه- في هذا الشهر الفضيل- بأجنحةٍ معنويّةٍ فائقةِ السرعةِ كي يحلِّقوا في آفاق الروح وصولاً لمقام القرب الإلهيِّ خِفافاً لا يخافون انقضاضَ الشياطين الكاسرةِ عليهم، بعد أن صُفِّدَت وسُلْسِلَت، ليقطع العبدُ في هذا الميدان الرحمانيِّ من مسافات السير والسلوك ما لا يقدر عليه طوالَ العامِ كلِّهِ.
عبادَ الله
كيف يقيِّدُ الله الشياطينَ؟ وهل تكفي إرادة الله وحدَه في ذلك فحسب، دون الأخذ بعين الاعتبار إرادةَ الإنسان وعملَه؟
لقد اقتضت إرادة الله أن يسخِّرَ الإنسانُ إرادتَه وسلوكَه لتغيير مصيره، بتفعيل كلِّ ما يقتضي ذلك وتجاوز كلِّ ما يحول دونَه باختياره وسعيه. وهو في ذلك كلِّهِ محتاجٌ لتوفيق الله تعالى الذي يتجلّى في شهر رمضان بفرض الصيام وسيلةً لتقوية التركيز على الاتّصال بالله وتنمية الإحساس بالملذّات الروحيّة وإضعاف الاهتمام بالمعاصي عبر تقييد الوصول للمُتَعِ الجسديّة؛ الأمر الذي يخلق لدى الصائم حالةً من الانضباط الذاتيِّ تجاهَ كثيرٍ من الممنوعات الشرعيّة، ما يشُلُّ حركة الشيطان في داخله يكَبْحِ جِماحَ أهوائه وشهواته؛ فعن رسول الله (ص): "إنّ الشیطان لیجري من ابن آدم مجری الدم، فضیِّقوا مَجاریَه بالجوع".
وعن عليّ (ع): "نعم العونُ علی أسر النفس وکسر عادتها التجوُّعُ".
وأيُّ مصيبةٍ أعظمُ على الشيطان أن يرى ابنَ آدم في رمضان وقد نجح بإرادته وعمله في امتحان الصوم امتثالاً لأمر الله وتحقيقاً لعبوديّته ورفضاً للتكبّر عن طاعته، بينما فشل إبليسُ في الامتحان إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَة، لاَ يُدْرَى أمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الاْخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَة وَاحِدَة.
عبادَ الله
لولا اللُّطفُ الإلهيُّ الخاصُّ الذي يشمل العبدَ في هذا الشهر الكريم، لما وُفِّقَ لأداء صيامه وقيامه وعملِ الصالحات فيه. فإيّاكم أن تغفلوا عن شكره تعالى على كلِّ خيرٍ تقومون به في أيام رمضان ولياليه، بل اسعوا للمزيد فيه شكراً له مع استشعار التقصير؛ وهو الشهر الوحيد الذي استحقّ حسن الاستقبال من رسول الله في خطبته الشعبانية.
عبادَ الله
إيّاكم والتذرُّعَ بالأعذار الواهية تبريراً للإخفاق عن أداء حقّ هذا الشهر العظيم ونحن لازلنا في أوّله؛ فهذا إمامنا الخمينيّ (رض) وكان قد تجاوز الثمانين من عمره مع ما كان يتحمّل من مسؤوليّات قيادة الأمّة لم يكن يسمح للشهر الكريم أن يمرّ مرور الكرام دون أن يحقّق قفزاتٍ روحيّةً فيه، كما جاء في كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله) في رمضان قبل أكثر من 22 عاماً:
يقول: "... كان الإمام يلغي كافّة مواعيده في الشهر الكريم، حتى إننا كنا نراه مرةً أو مرتين خلاله إما على الإفطار أو لشأنٍ آخر. وبعد انقضاء شهر رمضان، كان ينتاب كلَّ من يلتقي به أو يستمع لكلامه شعورٌ عارمٌ بمدى النورانيّة التي تطغى على وجوده. صحيحٌ أنّ الإمام كان في حركة دائبة إلى الأمام، لكنّه كان أكثر سرعةً وأشدَّ جدّيّةً في شهر رمضان؛ إذ كان يرى الميدان فيه أنسبَ (لاستباق الخيرات)...".
وكم يذكّرنا موقف الإمام (رض) بغاية الصوم التي ذكرها الإمام علي (ع): " كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ؛ نومُهم وفِطْرُهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم"؛ أي العقلاءُ العارفون بحقيقة الصيام الذين يحوّلون شهر الله إلى حالةٍ معنويّةٍ تطغى على المجتمع إيماناً وتراحماً وتكافلاً وعطاءً.
واسمحوا لي في هذا السياق أن أذكّركم ونفسي بضرورة الاهتمام بأمرَين هامَّين في هذا الشهر:
أولاً: استثمروا فرصة رمضانَ التي لا تُعَوَّضُ بعَمارة المجالس والمحافل الروحية والمعنوية ولا سيما القرآنيةَ منها؛ فلعلّ فيها جرعةً زائدةً من الأجر والثواب أكثرَ من غيرها. والعاقل الكيِّس من يجني الكثيرَ بأذكى الوسائل.
فقصتنا مع الشهر الكريم كقصة ذي القرنين (لو صحّت) حين دخل وجماعته ليلاً مدينةً مليئة بالأحجار. فنادى في أصحابه أن يأخذوا ما يشاؤون منها، ولكن ليعلموا أنّ الآخذ والتارك مصيره الندمُ غداً!
ولما أصبح الصباحُ، تحقّق ما قال ذو القرنين؛ إذ تبيّن لمن خرج من المدينة خاليَ الوِفاض أنّ أحجار المدينة كانت كريمةً غطّى عليها ظلام الليل فندموا. وبان لمن أخذ القليل مدى خسارته لعدم الإكثار منها، وندم الآخرون لعدم اقتنائهم أفضلها.
فلذلك علينا أن نكون كأمير المؤمنين (ع) حين سمع رسول الله (ص) يخطب في فضل رمضان، قام فسأله قائلاً: " ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال صلى الله عليه وآله: "يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل".
وإنّ هذه المجالسَ لتدعو إلى الورع عن محارم الله.
ثانياً: الاهتمام بالفقراء والمحتاجين ومتابعة أمورهم والأخذ بيدهم
فإنّ من مقاصد الصوم خلقَ حالة التكافل الاجتماعيّ بين أبناء المجتمع، فيمدّ الغني يد العون لأخيه المعوز، ولا سيما في هذه البلاد التي عانت ويلات حربٍ طاحنةٍ ظالمةٍ خلّفت الكثير من الأسر المحتاجة التي فقدت كفيلها.
قال الصادق علیه السلام: "إنما فرض الله الصیام لیستوي به الغني والفقیر".
وكما جاء في رواية تجري مجرى الحديث القدسي عن مناجاة موسى (ع) ربَّه:
قَالَ موسي: إِلَهِي أُرِيدُ رَحْمَتَكَ؟
قَالَ عزوجل: رَحْمَتِي لِمَنْ رَحِمَ الْمَسَاكِينَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
قَالَ موسي: إِلَهِي أُرِيدُ الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ؟
قَالَ عزوجل: ذَلِكَ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
فإذا أردنا أن تنزل رحمة الباري علينا فرجاً ورحمةً، علينا أن نهتمَ لأمر تلك الشريحة المحتاجة في مجتمعنا، كي نحقّق معنى الصوم، وننال السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة.
فأقول في ختام خطبة الجمعة متضرعا الى الله تعالى أصالة عن نفسي و نيابة عنكم و عن الأمة الاسلامية جمعا ما علمنا الامام الصادق(ع) من الدعاء الخاص للعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك:
أَعُوذُ بِجَلالِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي شَهْرُ رَمَضانَ أَوْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَتِي هَذِهِ وَلَكَ قِبَلِي تَبِعَةٌ أَوْ ذَنْبٌ تُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ...
فأسأل الله تعالى أن ينصر الأمة الاسلامية ومحور المقاومة والمجاهدين في كل مكان.وأسأله تعالى أن ينصر جميع الشعوب المستضعفة في مواجهة المستكبرين والصهاينة والمتصهيِنين. اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.
اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.
اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین. اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی. اللهم عجل لوليك الفرج و العافية و النصر واجعلنا من خير أعوانه و أنصاره و شيعته و محبيه. استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله: