الخطبة الأولى:9819 – 22رجب1440
توصية بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.
الموضوع: الإمام الكاظم (ع) ومقاومة التحدّيات في أشدّ الظروف
من حكمة الله تعالى بعباده أن يمتحنَهم في خياراتِهم؛ خيراً أو شرَّاً، حقّاً أو باطلاً، سنّةً إلهيّةً في ابتلائهم ليعلمَ أيُّهُم أحسنُ عملاً. فلا مناصَ من خوض الصراعات ومواجهة التحدّيات، سبيلاً لكشف ما في النفس من مكنونات؛ إمّا صعوداً لأعلى الدرجات، أو سقوطاً لأسفلِ الدرَكات. يقول تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ".
ومن لطفه تعالى بنا أن نصَبَ لهذه الأمّةِ مناراتٍ تستضيئ بهَديِها عند تلاطُمِ مدلهِمّات الفتن، كي تُنيرَ لها طريقَ الهِداية، وتعصِمَها من زَلَلِ الغواية. فالإيمانُ شرطٌ لازمٌ للنجاة، لكنّه غير كافٍ دونَ الاقتداء بأولياء الرحمن.
ألا تسمعون قول ربِّكم في كتابه الكريم: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا". ليفصِّل ذلك المعنى رسولنا الكريمُ الأسوةُ في حديث الثقلين كما رُوِيَ في سنن النسائي بالنحو التالي:
"... كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..."
ونحن على أعتاب إحياء مناسباتٍ هامّةٍ خلال الأسبوع القادم، رأيتُ أن أختار لهذه الخطبة ما يناسب الظروفَ المحيطةَ بأبناء الأمّةِ كي يربطوا على قلوبهم مقاومةً وثباتاً، اقتداءً بمواقف الإمام الكاظم (ع) الذي تصادف ذكرى استشهاده اليومَ الخامسَ والعشرين من شهر رجب. فعظّم الله أجورنا وأجوركم سلفاً بهذا المصاب الجلَل.
عبادَ الله!
لقد عاصر الإمام الكاظم (ع) واحداً من أشدِّ العصور التي مرَّ بها أئمةُ أهل البيت (ع)؛ إذ تميّز بتشديد الضغوط على تلك المدرسة الأصيلة، حتى إنّه لَيمكن وصفُ ما فُرِض على الإمام السابع (ع) بالأقسى منذ استشهاد جدّه الحسين (ع). إذ يكفي أنّه قضى شطراً كبيراً من حياته الشريفة متنقّلاً من سجنٍ إلى آخر بأمرٍ من هارونَ العبّاسيّ؛ فقد اعتُقِل في سجن عيسى بن جعفر، ثمّ نُقِل إلى سجن الفضل بن الربيع، ثم إلى سجن الفضل بن يحيى البرمكي، ثم نُقِل أخيراً إلى سجن السندي بن شاهك، وهو طامورة لا يُعرَف فيها الليلُ من النهار، لينتهي به الأمر أن يدسّ له ذلك السجّانُ سمّاً في رطب أو طعام آخر بأمرٍ من هارون العباسي.
ولم تكن تلك الجريمةَ الأولى التي اقترفها ذلك السجّانُ ابنُ شاهك، رغمَ أنّها كانت الأفظعَ والأكبرَ؛ إذ سبقَها باستهداف أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، ولا سيّما النخبَ منهم، في ممارساتٍ تعكسُ السياسةَ المتّبَعةَ آنذاك بالقضاء على خطّ الإسلام المحمديّ الأصيل. وإليكم نموذجاً من تلك الإجراءات الظالمة التي مورِسَت بحقّ أحد كبار أصحاب الإمام الكاظم (ع) ما يغني سردُه عن تفصيل ما كان يجري بغيره من أتباعه (ع):
كان محمد بن أبي عمير بغدادي الأصل من كبار أصحاب الإمام الكاظم (ع) وأصحاب الإجماع الذين قال عنهم الكشي: إنه ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه والعلم، وقال عنه الشيخ الطوسي: إنه كان أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكا وأورعهم وأعبدهم.
ولكن أتدرون كيف تمّ التعاملُ معه؟
حُبس في أيام هارون العباسي ليدلّ على مواضع الشيعة وأصحاب الاِمام الكاظم (ع)، فجرد وعلق بين القفازين ( العقارين ) وضرب مائة سوط، قال الفضل: سمعت ابن أبي عمير يقول: لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط، أبلغ الضرب الالم إلي فكدت أن أسمي ، فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبدالرحمان يقول : يا محمد ابن أبي عمير ، اذكر موقفك بين يدي الله تعالى ، فتفويت بقوله فصبرت ، ولم أخبر ، والحمد لله . ليقضي في السجن أربع سنين لموالاته الإمامَ الكاظم (ع). وكان السندي بن شاهك ممن وُكِّلَ بجلده وتعذيبه.
ناهيك عن التضييق عليه علمياً؛ فقد كانت له تصانيف كثيرة، قيل إنّها أربعة وتسعين كتاباً، وقد تلف معظمها أيّام حبسه، قيل: إنّ أُخته دفنتها فتلفت، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فتلفت، فحدّث من حفظه، وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا كان المشايخ يسكنون إلى مراسيله.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
لقد كان ذلك الموقف الصلب الصامد من تلك الشخصية العظيمة انعكاساً لتربية إمامه الكاظم (ع) الذي لم تمنعه الظروف القاسية المحيطة به من القيام بواجباته تجاه الأمّة من خلال التحرّك بمنظومة القيم الإلهية السامية في أوساط المجتمع، حتى نال ثناء كبار علماء عصره، على اختلاف مشاربهم وميولهم؛ فهذا ابن حجر الهيتمي يصرِّح بشأنه (ع): هو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم.
وقال محمد بن طلحة الشافعي بحقه: هو المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظماً، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح.
وفي هذه السلوكيات الأخلاقية الرفيعة أعظم الدروس لنا ولا سيّما لشبابنا، كي لا نركَنَ لليأس أو الضعف والتهاون في مواجهة تيارات الفساد، التي يجب أن تزيدنا تمسّكاً بإيماننا وثوابتنا الدينية والروحية والمعنوية أسوةً بإمامنا الكاظم (ع) الذي استثمر حتى فرصة وجوده في السجن للتوجّه إلى الله؛ حيث كان دعاؤه فيه:
"اللهمَّ إنكَ تعلمُ أَني كنتُ أسألُكَ أنْ تفرِّغَنِي لعبادتِكَ وقدْ فعلْتَ فلكَ الحمدُ".
ومع ذلك كلِّه، لم يتذرَّع إمامنا (ع) بالسجن ليتخلّى عن قضايا الأمة في مواجهة المستكبرين، بل جعله محكّاً لصقل مقاومته وترسيخ عزمه وتصليب إرادته، حتى وجّه رسالةً من سجنه لهارون، يقول فيها:
"... إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون".
وطبّق (ع) ذلك الموقف عملياً حين حج هارون الرشيد، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم زائراً له وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر. فلما انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمي! افتخاراً على من حوله، فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة! فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقاً.
لِيلخِّصَ الإمامُ (ع) حقيقةَ الصراع بين الحقّ والباطل، في ردّه على هارون حين خاطبه وقد رآه في جانب الكعبة: هل أنت من بايعه الناس خفية ورضوا به إماماً؟!
فقال الإمام: "أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم".
نعم! ما أعظمَها من كلماتٍ تختزل عناصرَ النصر في كلّ زمان ومكان؛ فلا غلبةَ إلا بعد ترسيخ قيم الحق والخير والمقاومة في القلوب، فهي التي تحسم الصراع أولاً قبل الإمكانات المادية والعسكرية. ولنا في التاريخ عبرةٌ.
فسلام على إمامنا الكاظم (ع) يوم ولد يوم استشهد ويوم يبعث حياً.
أسال الله تعالى أن يوفقنا و اياكم لننهل من المعارف الدينية الحقيقية الاصيلة و أن يوفقنا للتعرف على سيرة أهل البيت (ع) وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. واستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانية: 9819 – 22رجب1440
أللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله و أمیر المومنین، و العزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلا و عقیلة الهاشمیین ، بنت ولی الله، و أخت ولی الله، و عمة ولی الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
أللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، و هب لنا دعائها الزکي ، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
أيها الاخوة و الأخوات!
وفي معرِضِ الحديث عن حقيقة الصراع بين الحقّ والباطل، نستعرض مجموعةً من الدروس والعِبَر التي نستلهمها من مناسبةٍ أخرى عظيمةٍ نحن على موعدٍ لإحيائها في الأسبوع القادم، وهي ذكرى المبعث النبويّ الشريف. فنهنئكم سلفاً بحلولها.
لقد شكّل المبعث النبويُّ حركةً ثوريّةً وتمثّلُ ثورةً ثقافيّةً ودينيّةً لم ولن يشهد التاريخ نظيراً له أبداً؛ فزلزلَت أركان الجاهليّة لتشرقَ على أنقاضها نوراً يغمر العالم بسَناه الكونَ كلَّه، لا يزال العالمُ يستضيء بإشعاعات تلك الثورة الثقافية العظيمة. وهي حقيقةٌ لا يمكن لأحد إنكارها، حتى أذعن لها الذين وقفوا في وجهها من عُتاة قريش والمشركين كأبي جهل وأبي لهب، فسارعوا لاحتوائها ترغيباً وترهيباً يقدّمون للرسول (ص) مختلف العروض سعياً منهم كي يتخلى عن ثورته، في مؤشِّرٍ على مدى تأثيرها وأفق النصر الذي يَلوح أمامها. إلا أنّ رسولنا الكريم (ص) ردّ عليهم موقفاً تاريخياً واضحاً يعكسُ عظمة الحقِّ والمقاومة والثبات عليه، حين قال:
"... لو وضعوا الشمس فی یمیني والقمر فی یساري على أن أترك هذا الأمر، (ما تركته) حتی یظهره الله أو أهلكَ"...
نعم! لقد كانت تلك الكلمات قذائفَ ثقيلةً أطلقها رجلٌ إلهيٌّ ثوريٌّ من موقع قوة الإسلام وشموخ البشرية التوحيدي دكَّت حصون الظلم والشرك والكفر والجور والغطرسة على مدى التاريخ. ما يفرض على أتباعه- ونحن منهم- التزامَ ذلك الموقف في مختلف الظروف عملاً بآية الأسوة التي زيّنتُ بها خطبتي الأولى، حتى يزرع الخوف في قلوب أعداء الإسلام والإنسانية أبداً.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إنّ التاريخ يعيد نفسَه؛ فكما استمرّ أعداء الإسلام في مساعيهم الخبيثة ترغيباً وترهيباً للنيل من رسوله (ص) ودينه، فها هو الاستكبار العالميُّ وأذنابه قد أجلب بخيله ورَجْلِهِ لمواجهة الإسلام الأصيل بشكلٍ عامٍّ ومحورِ المقاومة بشكلٍ خاصٍّ، وفي ذلك ابتلاءٌ للمؤمنين في هذا الخطّ كي يميّزوا أعداءهم من أصدقائهم "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا".
اليومَ تركّز الإدارة الأمريكية برئاسة شخصٍ أحمقَ أهوجَ جهودَها العدوانيّة الخبيثةَ لاستهداف الإسلام والمقاومة، بل كلَّ حركةٍ تحرّريةٍ ترفض الظلم والجور والخضوع، جهلاً بحقائق التاريخ، وكأنّ رأس الإدارة الأمريكية يعيد لعب دور أبي جهل في شدّة عدائه وجهله، فحرِيٌّ بنا أن نطلق لقب أبي جهل العصر على ترامب الجاهل وأمثاله في عدائه للإسلام وأهله، ولقب أبي لهب العصر على أعوانهم وأذنابهم من الصهاينة والرجعيين الذين يسعون في إشعال لهيب الحروب والدمار؛ " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ".
فما أشبهَ اليومَ بالبارحة! فالقوم أبناء القوم؛ يعرضون في سبيل استهداف الإسلام المحمدي الأصيل وخط المقاومة المغريات من قبيل ما يدعى صفقة القرن وبناء المفاعلات النووية والأسلحة الفتاكة لقتل المظلومين من أبناء اليمن الصامد لأعراب آل سعود ومن لفَّ لفَهم، ثم يفرضون العقوباتِ الاقتصادية على محور المقاومة ومن يمتُّ لها بصلةٍ، ليتجاوزوا الأعراف والمواثيق الدولية بكلّ صفاقةٍ بإعلان الرئيس الأمريكي اعترافَه الرسميَّ بضمِّ الجولان العربي السوري المحتل للكيان الغاصب بعد أن فشل مسعاه في استهداف سيادة هذا البلد العزيز بدعم التكفيريين والإرهابيين في حربه الكونية على سوريا. لتأتيَ هذه الخطوةُ استكمالاً لنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إننا إذ نستنكر ذلك الاعتراف الظالم المتعسِّفَ بحق سوريا الصامدة، نعتبره منتهى الوقاحة باعتراف جهةٍ لا تملك من أمر الجولان المحتل شيئاً ضمَّها لكيانٍ غاصبٍ ليس بمعترَفٍ بشرعيته أصلاً، بل ليس معلوماً حتى متى سيستمر في وجوده؟
نعم! لقد جاء الاعتراف لرفع معنويات العدو الصهيوني بعد أن أطلق الإمام الخامنئي (دام ظله) بُشراه بقرب زوال إسرائيل وأفول أمريكا، ولا سيّما بعد انتصارات محور المقاومة في المنطقة، ما ألقى الرعبَ في قلوب الأمريكان والصهاينة من مصيرهم في المنطقة والعالم.
نعم! لقد كشف الاعتراف الجائر الأمريكي كذب ما يسمى الالتزام بالقرارات الدولية التي لا تُطرَح إلا لمصلحة القوى الاستكبارية والصهيونية. وإلا فماذا نسمّي قضية ضمّ أرض محتلة تشكل جزءاً لا يتجزأ من أرض سوريا الحبيبة لكيان محتل غاصب خلافاً للمواثيق الدولية، سوى عملية سرقة مفضوحة وقحة أمام عدسات الكاميرات؟ وهو أمر غير مسبوق في تاريخ البشرية -على ما أظن- يشكل في الحقيقة إعلاناً صريحاً بهيمنة قانون الغاب عالمياً.
نعم! إن الاعتراف الأمريكي بضمّ الجولان للكيان الصهيوني يشكل أكبر إهانة للعالم الإسلامي والعربي قاطبةً. ويأتي هذا الاعتراف ناقوسَ خطرٍ لكافة الدول العربية في المنطقة بأنّ ترامب وإدارته لا تحترم إلا مصالحها فقط. وهو مستعدّ لضرب كافة المعاهدات المبرمة لصالح ربيبتها إسرائيل.
واللهِ! لم يُجَرِّئ ترامب على اتخاذ تلك الخطوة إلا استخفافه بالحكومات الرجعية التي انبطحت أمامه وفشلت في ضرب محور المقاومة بالوكالة عن سيدها الأمريكي رغم المليارات التي صرفتها. عسى أن يكون درساً لمن يفكر في الرهان على الأمريكي أو التطبيع مع الصهيوني، حتى يعيدوا الحساباتِ ويكتشفوا حقيقةً واضحةً بأنَّ أمريكا والكيان الصهيوني لا يحفظان عهداً ولا يلتزمان بميثاق.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إني ما ركزت على الجانب العروبي في القضية، إلا لأني أعلم أن العرب معروفون بمثل دارج لديهم يقول: إن الأرض كالعِرض. فمهما اختلفت توجهاتهم ولكنهم- على ما أظن- لن يقبلوا بمثل تلك الجريمة التي ارتُكِبَت بحق دولة شقيقة لهم. أما الأعرابُ الرجعيون فلا أملَ فيهم؛ فهم غير معنِيّين بكلامي بعد أن حطموا الرقام القياسية في الذل والمهانة.
لذا، فإنني متفائل بتلك الشعوب العربية الأصيلة التي نبتَت أرضُها بحركات مقاومة من أبنائها، كي يرفضوا الذلَّ والهوانَ ويردّوا الصاعَ صاعَين، ويملؤوا في البداية الساحاتِ تنديداً واعتراضاً، لتتبعَها الخطواتُ التاليةُ تباعاً.
إنني مستبشرٌ بالشعوب العربية الأصيلة ومحور المقاومة من أبنائها الثوريين أن يُحيوا شعار صاحب المبعث النبوي الذي لا يختلفون عليه حين قال: "... لو وضعوا الشمس فی یمیني والقمر فی یساري على أن أترك هذا الأمر، (ما تركته) حتی یظهره الله أو أهلكَ"...
إنني مستبشر بتلك الأمة التي خرّجَت أولئك المقاومين الذين استعدنا بجهادهم أيامَ بدر وحنين وكربلاء على امتداد المنطقة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وغيرها، حين آمنوا بقضية المبعث النبوي والجهاد الحسيني فحرروا الأرض من المحتلين الامريكان والصهاينة والتكفيريين، وشعارُهم معاً: "ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة".
نعم! إنّ أمّةً لا تزال تؤمن بمبعث نبيها وقضية حسينِها لن ترضى بالذل والهوان. وهذه هي الحقيقة التي جهلها العدوّ في قراراته العنجهية.
وكما قال سيد المقاومة أخيراً بأنكم لم تعرفوا الشعب السوري كما لم تعرفوا الشعب اللبناني لا قصوراً أو تقصيراً، بل جهلاً وغباءً. وهذا ديدن أعداء الإسلام أنهم حمقى، وإلا لما تسرّعوا في أحكامهم عليهم بقراراتهم الغبية.
من هنا، أستثمر هذه الفرصة لأتقدم بالشكر من سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله على كلمته الغرّاء الأخيرة التي تناول فيها قضية الجولان، وأطلب من الجميع إعادة قراءتها والاستماع إليها، حتى يزيدوا أملاً بمستقبل المقاومة. وليعلمِ الجميع أن عدونا لن يفهم إلا لغة المقاومة. ولا خيار أمام شعوب منطقتنا إلا المقاومةُ سبيلاً لتحرير الأرض واستعادة الكرامة.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
نحن، أبناءَ المقاومة، نعلن بالفم الملآن أننا نأبى الذل والهوان. وإنّ زمن الهزائم قد ولّى إلى غير رجعةٍ. فنحن أبناء المدرسة الحسينية حين ارتجز متوجهاً للقتال:
الـمـوت اولـى مـن ركـوب الـعـار-------- والـعـار اولـى مـن دخـول الـنـار
وإنّ سوريا الصامدة قيادةً وجيشاً وشعباً ودعماً من محور المقاومة والتي انتصرت في الحرب الكونية التي شُنَّت عليها لن يستعصي عليها استعادة الجولان المحتل. عندها لن يكون الجولان وحده هو العنوانَ، بل سيكون بوابةً لتحرير القدس وزوال الكيان الغاصب الصهيوني... لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ
فأسأل الله تعالى أن ينصر الأمة الاسلامية ومحور المقاومة والمجاهدين في كل مكان.وأسأله تعالى أن ينصر جميع الشعوب المستضعفة في مواجهة المستكبرين والصهاينة والمتصهيِنين.
اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.
اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.
اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین.
اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی.
اللهم عجل لوليك الفرج و العافية و النصر واجعلنا من خير أعوانه و أنصاره و شيعته و محبيه.
استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله: